"لاتخافي .. شوي وبيرجع" هذا ما قاله عنصر الأمن لزوجة محمد ناصر عند اعتقاله على إحدى حواجز النظام التي كانت تفصل بين مناطق حلب المحررة والمناطق التابعة لسيطرة النظام عام 2016، ومازالت الزوجة تنتظر ومازال هو هناك .. ليست له وجهةٌ محددة سوى أمل ذويه.
يراود ذوي المفقودين بكل لحظةٍ تساؤلاتٌ مختلفة، هل يتعرضون للتعذيب؟ هل ما زالوا في المدينة أم انتقلوا إلى غيرها؟ تراهم يأكلون؟ كيف يقضون لياليهم شتاءً؟ بماذا يفكرون؟ والأهم من كل هذا، هل هم أحياءٌ يرزقون!
تعرّف الأمم المتحدة الاختفاء القسري بأنه: ‘‘القبض على الأشخاص واحتجازهم أو اختطافهم رغما عنهم أو حرمانهم من حريتهم على أي نحو آخر على أيدي موظفين من مختلف فروع الحكومة أو مستوياتها أو على أيدي مجموعة منظمة، أو أفراد عاديين يعملون باسم الحكومة أو بدعم منها، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، أو برضاها أو بقبولها، ثم رفض الكشف عن مصير الأشخاص المعنيين أو عن أماكن وجودهم أو رفض الاعتراف بحرمانهم من حريتهم، مما يجرد هؤلاء الأشخاص من حماية القانون’’.
يتحدث أديب عن حادثة اعتقال والده ناصر فيقول "أمطار تلك الليلة كانت غزيرة، لم نكن نعلم أنّها ستكون من أصعب الليالي" حيث حاول والداه الخروج من الحصار الذي وقع على بعض مناطق حلب والذهاب إلى الطرف الآخر (مناطق سيطرة النظام) مع مجموعة من كبار السن، في محاولة بائسة للبحث عن الأمان.
خرجوا من منازلهم والقذائف تتساقط عليهم كما أمطار تلك الليلة، مشوا كثيراً وبعد قطعهم لمسافةٍ لا تقل عن 7 كم ووصولهم إلى الحافلة، أوقفهم أحد عناصر الأمن وصعد إلى حافلتهم لينزله مع أربعة آخرين ويأخذهم إلى مخيم جبرين.
ناصر ليس السوريّ الوحيد الذي اختفى بعد اعتقاله، حيث تقول الشبكة السورية لحقوق الإنسان أنّ "مالا يقل عن 10ِ2,287 شخصاً قيد الاختفاء القسري على يد أطراف النزاع والقوى المسيطرة في سوريا منذ آذار 2011 وحتى آب 2022".
و"مالا يقل عن 151,462 شخصاً لايزالون قيد الاعتقال التعسفي ومن ثم الاختفاء القسري على يد أطراف النزاع والقوى المسيطرة في سوريا منذ آذار 2011 وحتى آذار 2022، %87.59 منهم على يد النظام السوري".
بعد أربع سنوات من البحث عن ناصر بشتى الطرق علمت عائلته أنه في فرع فلسطين، أحد أسوأ أفرع الأمن في سوريا ومازالت قصته متوقفة عند تلك النقطة، وعلى ذلك الحاجز، فهل تُراه الآن بخير! يتساءل أديب.
يقول مالك البصيص، مسؤول ملف الأشخاص المفقودين لدى منظمة محامون وأطباء من أجل حقوق الإنسـان LDHR أن "أهمية توثيق حالات الاختفاء القسري تكمن في بناء قاعدة بيانات بأكثر تفاصيل ممكنة عن الأشخاص المفقودين ومحاولة استخدامها لاحقاً لمعرفة مصيرهم، كما تصب في ضمان تحقيق العدالة الانتقالية واستقرار سوريا".
تعمل LDHR على توثيق الفظائع التــي تحــدث فــي ســوريا ضــد المعتقلين وفقاً للمعاييــر الدوليــة، كما تعمل على توثيق حالات الاختفاء القسري من خلال "فريق مدرب على الزيارات الميدانية والذي يزور أهالي المفقودين ويجمع المعلومات اللازمة عن طريق ملف معتمد يتضمن معلومات شخصية عن الراوي أو المتكلم، ومعلومات شخصية عن المفقود مع وصفه بشكل دقيق (الشكل، العيون، الشعر ،الطول، …) بالإضافة إلى حادثة الاختفاء بالتفصيل كما حدثت" بحسب البصيص.
يتم تحليل هذه البيانات لاستخدامها لاحقاً كما يتم في مرحلة قادمة أخذ عينة الحمض النووي DNA من أقارب المفقود بهدف البحث عنه مستقبلاً بطريقة عملية واحترافية.
تعيش عائلات ضحايا الاختفاء القسري على أمل عودتهم، حتى وإن سمعوا بمقتلهم، فهم لم يروا ذلك، سيعودون إلى ديارهم، شوارعهم، بين أحبائهم، هذا هو الحلم الوحيد الذي يراود مئات الآلاف كل ليلة، "رح استنى لآخر العمر، اتفقنا نكمل العمر مع بعض، أكيد رح يرجع و يدق الباب .. هو خليل هالعمر" تقول زوجة ناصر.