كلما نظرت في عيني طفل سوري، أقرأ فيهما معلقة شعرية من الوجع والألم وملحمة درامية وتراجيدية، إذ عندما أعود بذاكرتي للطفولة التي عشتها في فترة الاستقرار، أجد بأني عشت طفولة مميزة كانت مستقرة نفسياً واجتماعياً وأعيش اليوم بمعاناة المقارنات مع الأطفال الذين يعيشون حقبة الحرب والتهجير والظلم.

جميعنا يعلم بأن أكثر الأشخاص الذين يتضررون نتيجة الحروب والنزاعات هم من الفئات الأضعف، وعلى رأسها، الأطفال.

يتمثل هذا الضرر بافتقاد الاحتياجات الأساسية للأطفال، وعدم القدرة على تأمينها بالإضافة إلى تعرضهم لأنواعٍ شتى من الاضرار والمخاطر في سلسلة حياتهم اليومية.

في كثير من الأحيان يتعرض الأطفال للاستغلال والتجنيد القسري والعنف الجنسي والاختطاف فضلاً عن القتل بشكل مروع بالقصف وعمليات النظام العسكرية.

يضاف لذلك، ضعف أوغياب الرعاية الصحية التي تضمن نماء الطفل وبقاءه بشكل يحترم حقه في الحياة، ويضمن كرامته.

والأخطر من ذلك حرمان التعليم، إما لاستغلال الطفل بالعمالة، أو لعدم قدرة الأهل على تأمين المستلزمات المدرسية في ظل التضخم الاقتصادي في مناطق سورية عامة وشمال غرب البلد خاصة.

على صعيدي الشخصي كوني أعيش ضمن مناطق النزاعات والحروب، كلما نظرت حولي في المجتمع المتواجد فيه،  أرى أطفال يعانون من مشاكل حياتية مختلفة وخطيرة.

كالأطفال الذين يبيعون البسكويت طوال اليوم مع انقطاعهم او تسربهم عن التعليم أو الأطفال الذين يتسولون أو الذين يقومون بجمع الخردوات والقمامة بغية بيعها بسعر زهيد لمعامل التدوير.

كل هذه المخاطر وغيرها، بحاجة الى استجابة فعالة، فالأطفال هم شعلة المستقبل وأمل الوطن، وفشلهم وتدميرهم في ظل هذه الظروف، هو دمار للمجتمع برمته، لذا فمن الواجب تكثيف الجهود المحلية والدولية للتخفيف من شواغل الحماية التي يعاني منها نسبة كبيرة من الأطفال.

ومن أكثر الأمور الملحة، التي يحتاجها الأطفال في الفترة الحالية هي التعليم، الذي هو الأساس الذي تقوم عليه المجتمعات، ويمكنه أن يفتح الأبواب أمام الأطفال لتحقيق أحلامهم وتطلعاتهم المستقبلية بالإضافة إلى تهيئة الأطفال لبناء هذا وطنهم وإعادة الاستقرار له بعد التخلص من الاستبداد.

لذا فالواجب على الجميع، من مؤسسات وهيئات وأفراد، دعم التعليم الأساسي والمتوسط والثانوي للأطفال في سورية.

وللأسف فتدني مستوى التعليم يوسع رقعة الجهل والتخلف، وسبب هذا التدني عدم دعم قطاع التعليم بشكل كافي.

وقد تفاقمت هذه المشكلة بعد حدوث الزلزال الذي ضرب شمال غرب سورية وجنوبي تركيا في شباط الماضي، حيث تضررت العديد من المدارس في المنطقة بالإضافة إلى تأثر الأطفال نفسياً نتيجة الخوف بسبب الصدمة التي نتجت عن ذلك الحدث المأساوي.

وقد تم رصد حالات كثيرة  لأطفال أصبحوا يعانون من مشاكل لم يكونوا يعانون منها قبل الزلزال، كالخوف المرضي الذي يتمثل بالخوف من الأصوات العالية أو أي مثيرات خارجية تعتبر طبيعية في الأوقات العادية.

كما اصبح بعض الأطفال يعانون من مشكلة التبول اللاإرادي والانطواء وسرد الحدث الذي عايشوه بشكل متكرر، ويترافق هذا الحديث مع الشعور بالخوف المفرط  بالإضافة الى ظهور حالات جديدة من الأطفال غير المصحوبين أو المنفصلين عن ذويهم نتيجة الزلزال.

وبشكل عام إذا خضنا بإيجاز بهذا المآسي، فعامل الصحة النفسية بالغ الأهمية، لكونه يهتم بنمو الطفل بشكل سوي وسليم.

 فإذا كان هناك خلل في هذا الجانب فسيعاني الطفل مستقبلاً من خلل في حياته على الصعيد النفسي والاجتماعي.

فيما يتعلق بمراكز حماية الطفل في شمالي سورية، فإنها تلعب دورًا حيويًا في حماية الأطفال الذين يتعرضون للعنف والاستغلال ومختلف اشكال الإساءة والإهمال.

وتعتبر مراكز حماية الطفل هي الملجأ النفسي والاجتماعي لكل طفل، و هي المكان الذي يمكن للأطفال فيه العثور على الدعم والمساعدة التي يحتاجونها، بما في ذلك خدمات الصحة النفسية والتربوية والاجتماعية.

 وهي المتنفس الدائم لتفريغ الطاقات والأفكار السلبية في غياب دور بعض الأهل، في توعية الأطفال حول المخاطر التي تحيط بهم و حمايتهم من أي أذى ممكن أن يتعرضوا له.

 لذا يجب دعم هذه المراكز وتوفير الموارد اللازمة للحفاظ على سلامة الأطفال ورفاهيتهم، حيث تحرص هذه المراكز على استهداف اكثر من شريحة مجتمعية لضمان الحصول على عملية تكاملية تتمثل بتوعية الأهل بكيفية حماية أطفالهم وتربيتهم بشكل سوي، وضمن منهجية متوازنة بالإضافة إلى تعزيز الرفاه النفسي للأطفال والوصول بهم إلى بر الأمان في ظل الظروف الراهنة.

في النهاية، إن حماية الأطفال أولوية تقع على عاتق الأهل والمجتمع والمؤسسات المختصة، في ظل النزاعات والصراعات الحالية، وتحييد الأطفال عن المخاطر هو مسؤولية كبيرة، تتطلب تعاون وتظافر الجميع لتوفير الدعم اللازم لهم، سواءً كان ذلك من خلال توفير الرعاية الصحية والنفسية اللازمة والأمن والحماية، أو العمل على إعادة توطين الأطفال المشردين وتوفير بيئة آمنة ومستقرة لهم.

بقلم: محمد طراد - مشرف في "مساحة صديقة للطفل" - "المنتدى السوري"

المصدر: السورية.نت