أزمات كثيرة مرّت على البلدان، وحروب كبيرة خاضتها الدول والحضارات، تدهورت على إثرها مجالات الحياة كافة، ولعلّ من أبرزها تأثيرا وأكثرها قتلاً وتدميراً الأزمة السورية، حيث توقفت مجالات الحياة المتنوعة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعلمية وتأثرت بها كلّ أطياف المجتمع تأثرا بالغاً لايمكن لايّ أحد أن يتصوّر ماحدث، هذا كلّه لأن الشعب الحرّ الأبي قام مناهضاّ مطالباً بحريته المسلوبه من اكثر من أربعة عقود فقابله هذا النظام المجرم بالبراميل والراجمات غير مكترث لحرمة هذا الشعب وقدسية كرامته.

تفتت البنية والركيزة التي يتكون منها المجتمع ألا وهي الأسرة وأصبح سكان هذا الوطن في العراء مهجرين قسراً خوفاً من إجرام هذه الأسرة الحاكمة، تاركين خلفهم أملاكهم ومنازلهم التي طالما تغنوا بها ناجين بأرواحهم.

تجمعوا كلهم في بقعة صغيرة من هذا الوطن وقد تقطعت بهم السبل وتاهت أفكارهم واضطربت مشاعرهم، وكان الأثر ضرراً هم الأطفال الذين كانوا يحلمون يوما بمستقبل يليق بهم ولكن استيقظوا في ذات يوم على أصوات البراميل ولم يكملوا حتى ماكانوا يحلمون به.

استيقظوا فوجدوا أنفسهم في خيام لا تكاد تتسع لواحد منهم، تغيرت الصورة أمامهم فلا كراتهم كائنة ولا دمياتهم ماثلة ولا جيرانهم بقربهم.

هذه الحرب قد أخذت أبعاداً ومستويات لايمكن لأي أحد منا أن يتخيلها، الأباء منفصلين عن واقع ولا يصدقون ماحصل والأبناء عاجزين عن التفكير لأنهم غير قادرين على معاينة الواقع المرير والانخراط فيه.

والفقر قد أخذ مكانه وسط هذه الجموع التي وقعت بين نارين كسب الوقت ومستقبل أطفالهم فمنهم آثر العمل والقسم الأكبر قد سدت الأبواب بوجهه فضحى بمستقبل ولده مقابل أن يجلب له بعض الليرات بغية أن يجلب ثمن بعض أرغفة من الخبز.

فاصبح أطفالنا في شمال غرب سوريا بين واقع حتمي لا مفرّ منه وبين مستقبل لايمكن الوصول إليه، حرموا من حقوقهم وأصبحوا عمالاً لدى البعض وهذا مايسمى بعمالة الأطفال،حيث أصبح أطفالنا، مكانهم المعامل وأماكن القمامة والتسول على الطرقات غير مكترثين بما هو قادم وهذا نتج عن انعدام المدارس وندرتها وعدم أمكانية هذه المدارس التي لاتوجد فيها الوسائل ولا الكفاءات وضيقها فتحت الباب أمام أطفالنا بالتسرب منها وهنا لابدّ لنا أن نقف لبرهة من الوقت ونسأل أنفسنا سؤالاً.

أين الجهات الدولية من كل هذا؟إن الوضع المعيشي السيئ والفقر المتقع قد حول أطفالنا من وروداً نزين بها المدارس إلى عمالا أعمارهم لا تتناسب مع اعمالهم. فالعمالة لايمكن أن توجد في مجتمع يعي أهمية العلم وبناء الأوطان، هذا الشعب قد كابد ومازال يكابد الفقر وسوء الأوضاع قد انعكس على سلوكيات أطفالنا، فقد حرموا حقوقهم وسلبوا أفكارهم وصودرت هوياتهم، فنار الحرب قد فتكت بهم ولم يجدوا من يمد يد العون لهم، فظهر جلياً هذا كله على نموهم المعرفي والنفسي والجسدي.

ونحن كعاملون في المجال الإنساني شاهد عيان على هؤلاء الأطفال،إننا نراهم ونسمع كلامهم ونتحدث لهم وعنهم، فنلاحظ أقوالهم غير مطابقة لأعمارهم وسلوكياتهم تبدو واضحة أنها غير سليمة، كما أننا نرصد بشكل يومي عدد كبير منهم لديه بعض السلوكيات الظاهرة جلياً من سلوك عدواني واكتئاب وانطواء وخجل والبعض الأخر يلتزم المنزل ولا يخرج منه.

فالحرب و مؤخراً الزلزال قد جعل منهم أطفالا غير مكتملين نفسياً، ومن هنا لابدّ أن نسارع جميعا من أجل صحة هؤلاء الأطفال، فهؤلاء الأطفال إذا استمر بهم الحال كما هو سنجد أنفسنا أمام مشكلة كبيرة ومعضلة لايمكن حلها، لذلك يجب أن نتكاتف ونمد يد العون لبعضنا البعض ونسلط الضوء على هذه المشاكل الكبيرة ، ونوصل صوتنا إلى الجهات الداعمة وخاصة منها الجهات العالمية التي تؤمن بحقوق أطفالنا، فمشاكلهم تزاد بوتيرة كبيرة فحمايتهم واجب المجتمع الدولي ومساندتهم حقّ لايمكن المماطلة به.

فهم بحاجة إلى أماكن يشعرون بها بقيمتهم وذاتهم، وأخذ أدوارهم بشكل يليق بطفولتهم، فالمساحات الصديقة مهمة بالنسبة لهم حيث سيحصلون بها على أنشطة متنوعة واللعب العلاجي والتعلم العاطفي وأنشطة دعم المرونة وإعادة تأهيلهم نفسيا من أجل أن تستمر حياتهم بشكل صحيح فالمساحات الصديقة هي الملاذ الأمن والتي تزيد من قدرة الأطغال وتعززها وتزيل علامات التوتر والقلق من خلال الأنشطة الهادفة المنتظمة.

فالأطفال أمانة في أعناقنا ويجب ان نوصل صوتهم خارج الحدود وأن حقوقهم يجب أن تصان بدعم أممي عربي وإلا ستكون الكارثة كبيرة لايمكن لنا أن نواجهها بمفردنا.

أحمد عطية – عامل حماية في المنتدى السوري – اعزاز

المصدر: وكالة ثقة