في وقت تتسابق فيه الدول والحكومات في رعاية مواطنيها وتقديم أفضل فرص التعليم لهم، فتفتح باب المنح الدراسية وتقدم كل الموارد المتاحة لديها لدعم وتطوير آليات البحث العلمي، بالإضافة إلى بناء المدارس والجامعات العليا، والسعي لحصول طلابها على منح علمية راقية في دول وجامعات أخرى بهدف تبادل الخبرات العلمية المتطورة، من المؤسف أننا في سورية ما زلنا نتحدث حتى اليوم عن آليات حماية التعليم وضرورة دعم العملية التعليمية وإنقاذ ملايين الأطفال كي لا يكونوا ضحايا الحرب والجهل والتخلف بسبب عدم قدرتهم على متابعة تعليمهم، وما زلنا نتحدث عن قصف المدارس وتدميرها بشكل ممنهج ومتعمّد من قبل نظام الأسد وحلفائه.
أيام قليلة فصلتنا عن "اليوم الدولي لحماية التعليم من الهجمات" الذي يصادف التاسع من أيلول من كل عام وفقاً لما أقرته الجمعية العمومية للأمم المتحدة بالإجماع؛ بهدف تسليط الضوء على الأطفال الذين يعانون من عدم قدرتهم على التعليم في الدول التي يعيشون فيها نتيجة للصراعات الدموية والهجمات على المؤسسات التعليمية والطلاب والعاملين في قطاع التعليم في انتهاك صارخ للقانون الدولي الإنساني في بلدانهم.
أما عن سورية بعد 11 عاماً من القصف الممنهج والعشوائي الذي تسبب به نظام الأسد وحلفاؤه الروس والإيرانيون والمليشيات التابعة لهم، بالإضافة لما فعله تنظيم داعش الإرهابي، ففيها أكثر من ثلاثة ملايين طفل سوري محرومون من التعليم، وواحدة من كل ثلاث مدارس باتت خارج الخدمة، كما أصبحت جميع عناصر العملية التعليمية في أزمة حقيقية، فقد هُجر الطلبة ودمرت المدارس واعتقل الكثير من المدرسين.
الحفاظ على دور المربي في الصفوف الدراسية هو بناء لجيل بأكمله، وعلى جميع المعنيين بالتعليم مراعاتهم ومساعدتهم
وفي رسالتنا الداعية لحماية التعليم في سورية، فإننا ننقل مجدداً نداءات وصيحات الشعب السوري إلى الدول الأعضاء في الأمم المتحدة والمنظمات الدولية المعنية بتقديم المساعدات للشعب السوري؛ ونطالبهم بالتدخل العاجل لإنقاذ السوريين وفق مقتضيات القانون الدولي والشرعة الدولية، بالإضافة إلى اتخاذ إجراءات فورية لوقف العنف وإدانته والتصدي للاعتداءات والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي أسفرت عن تدمير وحشي للمدارس السورية.
والأهم من ذلك العمل مع مؤسسات ومنظمات المجتمع المدني العاملة في مجال التعليم على إعادة بناء وإصلاح المدارس والنظام التعليمي في جميع أنحاء سورية، مع إبقاء التعليم على رأس أولويات البرنامج العالمي لدعم البنية التنموية في سورية خلال مرحلة التشافي من آثار الحرب على المستويين القريب والبعيد، بالإضافة إلى إعادة تقييم المناهج الدراسية وإصلاحها وتوحيدها، من أجل الحصول على التعليم الجيد والآمن والمناسب في كل المناطق السورية دون استثناء.
إن جائحة الفجوة التعليمية التي نواجهها في كل المناطق السورية، والتي تستهدف ملايين الأطفال في كل المراحل الدراسية؛ تتطلب اليوم حلولاً إسعافية وسريعة، وأن تعتبر الأولوية لدى المجتمع الدولي والمنظمات السورية العاملة في هذا القطاع في مناطق الشمال السوري وإدلب على وجه التحديد، وألا تقل أهميةً في خطط العمل القادمة عن الأمن الغذائي والمائي والحل السياسي أيضاً، لأن انتشار الجهل والأمية بين أبناء الجيل الجديد الذي يفترض أنه المستقبل الواعد لسورية القادمة يعتبر بالنسبة لنا من المخاطر الكارثية التي تتطلب المواجهة الفعالة والسريعة، بالإضافة إلى تشكيل خلية أزمة فورية تشمل كل المعنيين بالقضية التعليمية لتضع الاستراتيجيات المستقبلية التي تضمن استمرارها، والحلول الواقعية البنّاءة ضمن الشروط الراهنة مهما كانت الظروف والإمكانيات المتاحة.
أخيراً، لا بد من الإشارة إلى أن العاملين في قطاع التعليم هم أساس العملية التعليمية وجوهرها الأساسي، وتعرُّض المدرسين على مدار سنوات لجميع أشكال العنف والاضطهاد والاعتقال بسبب دورهم السامي الذي يقومون به مرفوض ومندد به، فالحفاظ على دور المربي في الصفوف الدراسية هو بناء لجيل بأكمله، وعلى جميع المعنيين بالتعليم مراعاتهم ومساعدتهم في الحصول على مستحقاتهم المالية لتأمين شروط العيش الكريم ومتابعة أداء دورهم الجليل، بالإضافة إلى تأهيل عدد من الأكاديميين السوريين حديثي التخرج ودعوتهم لدخول سلك التعليم للقيام بهذه المساهمة الضرورية في بناء وتمكين المجتمع السوري وحمايته من الجهل والتخلف والأمية، الأمر الذي يستوجب تعاون المؤسسات الدولية مع منظمات المجتمع المدني السورية، والضغط باتجاه تقديم العون اللازم في إنجاز هذه المهمة رغم كل الصعوبات والتحديات التي يواجهها هذا القطاع.
المصدر: العربي الجديد