في ظل الأحداث المستمرة والقضايا المعقدة في الملف السوري، والمرتبطة بدورها بإشكاليات مزمنة تتعلق بطبيعة السُلطة وتركيبة المجتمع وبنية الدولة؛ يعمل مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، أحد برامج المنتدى السوري، على تقديم دراسات وأوراق بحثية موضوعية تساهم في تفكيك وتحليل تلك الإشكاليات، وتقديم توصيات ورؤى تساعد في ترشيد صناعة القرار ورسم السياسات الخاصة بسورية والتأثير بها، بهدف تحقيق الاستقرار والتنمية على مختلف المستويات، وذلك عبر كادر كبير من الباحثين والخبراء المتخصصين في الشأن السوري وإشكالياته المتعددة.
ميادين العمل في مركز عمران:
ينصب اهتمام مركز عمران على مجموعة متنوعة من الملفات والقضايا، والتي تشكل بمجملها أبرز إشكاليات الواقع السوري وتحديات التغيير المستقبلي، من بينها: الحوكمة والسياسة العامة، سيادة القانون، الشؤون الإقليمية والدولية، الأمن والجيش، التنمية وإعادة الإعمار، تحولات المجتمع السوري. وذلك لما لها من تأثير مباشر على الواقع الحالي والتصورات المستقبلية للتغيير.
ويُعتَبر مركز عمران اليوم، مرجعاً بحثياً في عدد من الحقول والمجالات السابقة، كدراسات الحوكمة والأمن والتعافي المبكر في سورية، خاصة بعد مراكمة نتاج بحثي على مدار سنوات وإصدار العديد من الأوراق والكتب السنوية في مجالات محددة، أبرزها: الحكم والإدارة المحلية، والتي أصدر فيها المركز كتاباً وأوراقاً عدة حول المركزية واللامركزية في سورية وتطبيقاتها وتحدياتها، لتتحول لاحقاً إلى محور التركيز في اللقاءات والنقاشات السياسية التي تتناول شكل الإدارة المحلية الحالي والمستقبلي في سورية. إضافة إلى قطاعي الأمن والدفاع، الذين أصدر فيهما المركز كتباً ودراسات تناولت حوكمة تلك القطاعات وإخضاعها للقانون وطرحت خارطة للتغيير الأمني في سورية، فتحولت إلى مرجع أساسي في غالبية المسارات والنقاشات والأوراق المتعلقة بمستقبل الجيش والأجهزة الأمنية. إضافة إلى حقل القضاء وسيادة القانون، والذي قدم فيه المركز أوراقاً ودراسات مهمة حول واقع ومستقبل القضاء السوري. ناهيك عن التعامل مع الاستجابات الطارئة والمتغيرات المتسارعة في الملف السوري، والتي يتفاعل معها المركز عبر أوراق تقدير الموقف والتنبيه الاستراتيجي، والتي تساهم في تأمين إجابات حول الأسئلة الطارئة والأكثر إشكالية في المسار السوري.
ما يميز مركز عمران: تأثير وتواصل فعّال
يتفاعل مركز عمران مع الفضاء السوري العام من جهة، ومع صناع القرار والمتخصصين في الملف السوري من جهة أخرى، عبر النشر المستمر لأوراقه ودراساته، إضافة إلى اللقاءات المباشرة والندوات والورش مع المختصين والفاعلين والمؤثرين في رسم السياسات تجاه الملف السوري، بشكل يمكّنه من إيصال نتائج دراساته وتوصياته إلى الجهات المعنية سواء على المستوى الإقليمي أو الدولي. كما يتمتع المركز بتأثير ملموس في أوساط صناع القرار السوري، حيث يتفاعل مع مختلف الجهات المعنية على المستوى السياسي والعسكري والإدارة المحلية ومنظمات المجتمع المدني الفاعلة.
كذلك، يصمم المركز الاستبيانات التفاعلية وينظم ورش العمل واللقاءات المباشرة مع كافة مكونات الشعب السوري، بشكل يساعد في تنويع مصادر المعلومات والآراء المقدمة في التوصيات والدراسات والأوراق البحثية الصادرة عنه. كما يساهم المركز بتأمين المعلومات والتحليلات الموضوعية عن المشهد السوري وتطوراته، سواء عبر الإحاطة الدورية التي يصدرها بشكل شهري حول أبرز الأحداث والمستجدات وتحليل آثارها وأبعادها، أو عبر الظهور والتفاعل المنتظم لباحثي المركز مع وسائل الإعلام العربية والغربية لتحليل قضايا وإشكاليات المشهد من منظور بحثي موضوعي.
يسعى المركز من خلال ما سبق؛ إلى المساهمة في إعادة بناء وتشكيل الوسط البحثي السوري، الذي حُجِّمَ وغُيِّب لفترة طويلة بشكل ممنهج. كما يهدف إلى صياغة سردية سورية متماسكة حول الواقع ومتطلبات التغيير في سورية، خاصة في الوقت الذي تتعرض فيه تلك السردية للتشويه والتحريف عبر أدوات عدة، من ضمنها بعض مراكز الأبحاث التي تساعد السُلطة في صياغة وترويج سرديتها، أو غيرها من المراكز التي تسعى إلى تصدير رؤى وتحليلات بعيدة عن الواقع ومتطلبات المجتمع الحقيقية للتغيير. وفي هذا الإطار، يطمح المركز عبر خطته وبرامجه إلى تأمين بديل بحثي-سوري يساهم في فهم وتحليل قضاياه وبناء تصوراته الخاصة حول مستقبل بلاده، بعيداً عن التوجيه والأيديولوجيا والتصورات والرؤى الأحادية المفروضة لمستقبل سورية. وضمن هذا السياق، يسعى عمران إلى تعزيز الثقة المجتمعية بدور المراكز البحثية السورية وأهميتها في صنع القرار، من خلال تقديم تحليلات مستندة إلى الواقع ودعم قضايا التغيير، وطرح الأولويات المرتبطة بالحاجات الحقيقية للمجتمع السوري.
مشاريع مركز عمران: التأثير والتمكين على كافّة الأصعدة
بالإضافة إلى المسارات البحثية المتنوعة التي يعمل عليها المركز، يسعى عمران لتنفيذ مجموعة من المشاريع التي تهدف إلى تمكين فئات مجتمعية مختلفة، خاصةً الباحثين، وذلك لتأهيل كوادر قادرة على التعامل بموضوعية وعمق ومسؤولية مع إشكاليات الملف السوري المتعددة.
برامج التدريب والتمكين في مركز عمران: تطوير القيادات وتعزيز المعرفة
عمل مركز عمران على تمكين العديد من الباحثين والشباب السوريين بهدف تطوير مهاراتهم وزيادة قدراتهم البحثية، من خلال برنامج سنوي دوري يقدم تدريبات نظرية حول مناهج البحث العلمي في كل من اسطنبول واعزاز، وتعزيزها بفترة تدريب عملي مع باحثي وكوادر المركز. وقد استهدف البرنامج طلبة من المرحلة الجامعية والماجستير المطلعين على الشأن السوري العام والمهتمين بالعمل البحثي، وركّز على تزويدهم بالأدوات النظرية والعملية لتطوير تصوراتهم حول مراكز الدراسات وآليات عملها، وتعميق تخصصاتهم المتنوعة على المستوى السياسي، الاقتصادي، العسكري، الاجتماعي، بشكل يؤهلهم للمساهمة في النتاج البحثي المتعلق بقضايا الشأن السوري.
تعزيز الدور الشبابي السوري: اتحاد طلبة سورية
يعمل المنتدى السوري على دعم اتحاد طلبة سورية منذ انطلاقته الأولى، بدءاً من رعاية المؤتمر التأسيسي للاتحاد إلى تنفيذ برنامج تدريبي قدمه مركز عمران لأعضاء الاتحاد والمرشحين لانتخاباته، بهدف تمكينهم من العمل النقابي وتطوير قدراتهم. حيث تضمن البرنامج محاضرات وورش عمل حول تاريخ العمل النقابي في سورية ومستقبله بعد الثورة. كما ركزت التدريبات على محاور متنوعة، كالمشهد السوري العام وتحولات الخارطة الاجتماعية، التنظيم الطلابي وحوكمته كبنية نقابية، دور النقابات ومنظمات المجتمع المدني في التماسك الاجتماعي وتعزيز الممارسة الديمقراطية، سيناريوهات الحل السياسي في سورية، وأدوار النقابات ومنظمات المجتمع المدني في الاستحقاقات الوطنية.
مشروع منصة مراكز الفكر: تعزيز التعاون والحوار
يقوم المشروع على تعزيز التواصل والتفاعل مع مراكز الدراسات العربية وصناع القرار، وذلك عبر جولات وزيارات وحوارات منتظمة، بهدف سبر رؤاهم وتصوراتهم حول القضية السورية، على اعتبار أن تلك المراكز تساهم بشكل مباشر وغير مباشر في رسم سياسات دولها وحكوماتها تجاه الملف السوري، وبالتالي محاولة فهم مصالح وهواجس تلك الدول ومقاربتها من الأولويات السورية الوطنية ورسم التحديات المشتركة وبناء جسور للتفاهمات، بشكل يساهم في كسر جمود المسار السياسي وتعزيز التواصل بين الخبراء والباحثين السوريين ونظرائهم من الخبراء الإقليميين المقربين من صانعي السياسات، خاصة في المسارات التقنية المتعلقة بالحل السياسي في سورية.
من مخرجات المشروع؛ قيام خبراء مركز عمران بإجراء مقابلات فردية وعقد مجموعات نقاش مصغرة مع خبراء وأكاديميين من دول مختلفة في المنطقة، من خلال زيارات مراكز أبحاث قريبة من دوائر صنع السياسات في تركيا والأردن ولبنان والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والكويت وقطر ومصر والعراق، إضافة إلى دول أوروبية أخرى. حيث ركّزت تلك الاجتماعات على الأهداف المشتركة والمخاوف والخيارات السياسية البديلة. كما يهدف المشروع أيضاً إلى خلق مسار يقوده خبراء سوريون ويساهم فيه مركز عمران، بصفته مركزاً فكرياً يتركز عمله حول سورية ويتمتع بخبرة نظرية وتقنية رصينة ضمن الملفات الأكثر أهمية وإشكالية في واقع ومستقبل الحل السياسي، وذلك في محاولة للتأثير بشكل إيجابي على مسار العملية السياسية، من خلال طرح أفكار وتوصيات وخيارات سياسية جديدة وعملية.
مشروع تكامل: المناصرة ودورها في التأثير على المشهد السوري
يقوم المشروع على فكرة التشبيك بين الشباب السوريين الفاعلين في بلدانهم وبيئاتهم، وينقسم إلى ثلاث مراحل: (اختيار المشاركين، انعقاد مؤتمر شبابي سوري، تنفيذ حملات مناصرة)، وقد تم اختيار 57 مشاركاً عبر مقابلات أُجريت من قبل لجنة مؤلفة من فريق عمران واتحاد طلبة سورية. وفي المرحلة الثانية، انعقد "مؤتمر الشباب السوري" فيزيائياً بتاريخ 29-30 تموز 2023 في اسطنبول والشمال السوري، ضم شباب/شابات أتوا مما يقارب 12 دولة حول العالم بما فيها تركيا، وهدف المشروع إلى تدريب المشاركين على التحشيد والمناصرة في سياق القضية السورية، بالإضافة إلى جلسة حوارية وجلسة متعلقة بأساسيات الدعم النفسي.
ويتضمن المشروع تنفيذ 4 حملات مناصرة للقضايا المُختارة من قِبل الشباب، إضافة إلى منصة افتراضية تخلق مساحة نقاش بينهم بهدف تقييم احتياجاتهم ورصد مشاكلهم وتقديم الحلول لها من وجهة نظرهم، وذلك في محاولة من مركز عمران لتجاوز فكرة البعد الجغرافي وتنوع البلاد والمناطق التي يقيم فيها المشاركون.
مشروع الحوارات المحلية الوطنية في مختلف مناطق سورية: تعزيز التنمية والحوكمة:
يعتمد المشروع على إقامة أنشطة من شأنها زيادة قدرة المجتمعات المحلية على المساهمة في التنمية المحلية وإنشاء ودعم شبكات مرنة أفقياً وعمودياً، بما يزيد من تعزيز التماسك المجتمعي. حيث يقوم مركز عمران بإجراء حوارات محلية عابرة لمناطق النفوذ، تتركز حول ثلاثة قطاعات أساسية وهي: التعافي المبكر، الحوكمة، المصالحة المجتمعية. وذلك من خلال توصيف الواقع ومشاكله وتحدياته، ثم مناقشة الآثار والحلول من وجهة نظر المجتمع المحلي.
ختاماً: أثر مركز عمران في الواقع السوري
عبر دراساته وأوراقه وأنشطته ومشاريعه وكوادره؛ استطاع مركز عمران للدراسات الاستراتيجية أن يفرض نفسه على الساحة البحثية السورية كمصدر ومرجع أساسي في أغلب قضايا وإشكاليات الملف السوري. مقابل بروزه كأحد المراجع والمصادر الموثوقة على المستوى الإقليمي والدولي، خاصة فيما يتعلق برسم السياسات العامة تجاه القضية السورية ومساراتها المتشابكة. ويستمر المركز في العمل على تطوير بنيته وكوادره في سبيل تمكين وجوده وتأثيره بشكل أكبر على مختلف المستويات، والمساهمة في تراكم النتاج البحثي وتأمين أرضية معرفية صلبة حول سورية، تساعد في تطوير المجتمع السوري ومؤسساته.