يُعد التمكين الاقتصادي عنصراً أساسياً في تحقيق التنمية المستدامة، والاقتصاد المستدام هو عمود أساسي لبناء مجتمع يسوده الاستقرار، في شمال غرب سورية، ومع مرور الزمن، بات الاعتماد الدائم على المساعدات الإنسانية والسلل الغذائية مقلقاً لأنه لا يُمكِّن الأفراد بما فيه الكفاية لتحقيق استقلالهم الاقتصادي وتحسين ظروف حياتهم، خاصةً مع الخوف الدائم من إغلاق المعابر الإنسانية والسماح للمنظمات الدولية بتقديم المعونات للأسر النازحة.
تحقيق التمكين الاقتصادي:
تعتمد الاقتصادات المستدامة على التنوع والابتكار وتحفيز القطاعات المحلية من خلال تطوير مشاريع محلية وتنمية قدرات الشباب والنساء وتعزيز الإنتاجية وتوفير فرص عمل جديدة، فالاستثمار في المشاريع المحلية يعزز من تدفق الأموال في الاقتصاد المحلي، مما يقوي البنية التحتية ويحسن من جودة الحياة ويحقق انتقال تدريجي نحو الاستقلالية الاقتصادية.
دور التعليم والتدريب: تمكين النساء اقتصادياً ومجتمعياً
يقدم المنتدى السوري جهوداً ملموسة لتحقيق التمكين الاقتصادي من خلال مشاريع مبتكرة تستهدف تحسين واقع المرأة والأسر المتعففة، يبرز من بين هذه المشاريع "مراكز إبداع المرأة" التي تندرج ضمن نشاطات قطّاع الحماية.
تعمل هذه المراكز على تدريب النساء على مهارات إدارة الأعمال الصغيرة والتخطيط وإعداد الميزانيات ودراسات السوق وحسابات الأرباح، ومن ثم دعمهن في مشاريع صغيرة تساهم في توليد الدخل وتعزيز الاستقلال المادي.
تم تقديم 1,474 منحة خلال السنوات الخمس الماضية، قيمة المنحة الواحدة بين 700 و 1,000 دولار، لدعم مشاريع متنوعة مثل محلات البقالة والملابس والقرطاسية وإنتاج الألبان والخياطة ومحلات الأدوات المنزلية وصالونات تجميل للسيدات وخدمات صيانة الهواتف المحمولة، وبهدف تمكين النساء من مشاركة العملية الاقتصادية؛ تم تأسيس مركز تصنيع غذائي لـ 3 سيدات في سلقين ودعمهن بدءاً من تدريب إدارة المشاريع انتهاءً بإطلاق المشروع وتحقيق النجاح فيه.
أسهمت هذه المشاريع في خلق 926 فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة، استفاد منها أكثر من 8,000 شخص ، من ضمنهم 555 أرملة و585 شخصاً من ذوي الاحتياجات الخاصة.
ومع أن هذه المشاريع تعاني من تحديات عديدة مثل تفاوت أسعار العملات وارتفاع تكاليف الكهرباء والمواصلات، إلا أن النجاحات التي تم تحقيقها تعكس قدرة المستفيدات على مواجهة هذه التحديات، وتأتي هذه المشاريع كعامل إيجابي نحو تعزيز الاستقلالية الاقتصادية للمرأة وخلق فرص عمل تساهم في تحسين الوضع الاقتصادي للمجتمع بشكل عام.
دعم المشاريع الزراعية: خطوة نحو استقرار اقتصادي مستدام
وبجانب مبادرة تمكين النساء، يأخذ المشروع الزراعي دوراً مهماً في تعزيز الاقتصاد المحلي من خلال دعم المزارعين بتوفير الأدوات والمُدخلات الزراعية اللازمة وتطوير خبراتهم ومهاراتهم ضمن تدريبات عملية تحسن من جودة الزراعة وتقلل من تكاليف الإنتاج لتحقيق دخل مالي مستدام.
يعتبر قطاع الزراعة أحد القطاعات الحيوية في دعم التمكين الاقتصادي، وتتجلى أهميته في توفير فرص العمل وزيادة الإنتاجية، حتى آواخر 2022، تم توفير 212 فرصة عمل للموظفين الميدانيين، كما تم تزويد المزارعين بـ 150 طناً من الأسمدة و 207 طناً من بذور القمح لتحسين إنتاجهم، إضافةً إلى توزيع 4 آلاف لتر من المبيدات وأكثر من 15 ألف لتر من الوقود للري، ودعم أكثر من 16 ألف دونم من الأرض بالأسمدة والبذور والمبيدات لتعزيز الإنتاج الزراعي.
بهدف تحسين جودة الإنتاج، تم تدريب 1,200 مزارع على أفضل الممارسات الزراعية، كما تم دعم 3,631 مزارعاً من خلال مشاريع متعددة في مجال الأمن الغذائي وسبل العيش.
هذه المبادرات التمكينية تأتي كدليل على الجهود المستمرة لتحقيق التنمية المستدامة وتحسين الظروف المعيشية في المناطق المستهدفة، مع التركيز على دعم الأسر المحرومة وتمكين المرأة والشباب للمساهمة الفعّالة في تطوير المجتمعات المحلية.
برنامج دُلّني: تدريبات في مجال التكنولوجيا والعالم الرقمي بهدف النهوض باقتصاد الشمال السوري
دُلّني، أحد برامج المنتدى السوري، برنامج تدريبي تقني مكثف لتطوير كوادر مهنية تعمل في قطاع الخدمات الرقمية في سورية وخارجها من خلال التدريب على المهارات التقنية والاحترافية.
في حزيران الماضي، تم تخريج 20 شريكاً في النجاح حضروا مخيم تدريبي عن كتابة المحتوى باللغة العربية لتحسين محركات البحث، كما أطلق البرنامج تدريبه الثاني في آب الحالي بحضور 20 شريك جديد في المخيم، ليتم تخريج ثاني دفعة خلال الأشهر القليلة القادمة.
يهدف البرنامج إلى تطوير مهارات الشباب في شمال غرب سوريا تقنياً وربطهم مع شركات عالمية للحصول على فرص عمل تساعدهم في تأمين دخل مستدام تساهم في تطوير الاقتصاد المحلي، كما يسعى البرنامج لإطلاق أول مجمع تكنولوجي في مدينة إعزاز تستهدف كل العاملين في المجالات الرقمية في المنطقة.
ختاماً: التمكين الاقتصادي سبيلاً للنجاة
يتطلب تحقيق التمكين الاقتصادي في شمال غرب سورية تعاوناً وجهوداً مشتركة من قبل الجهات المحلية والمنظمات الدولية ومنظمات المجتمع المدني، من خلال تعزيز البنية التحتية وتطوير مشاريع مستدامة وتمكين الأفراد مما يساعد في تحقيق الانتقال إلى وضع اقتصادي أكثر استقراراً واستدامة، وبالتالي تحقيق تطلعات المجتمع نحو مستقبل أفضل.