تشكّل مراكز حماية النساء والفتيات في شمال غرب سوريا عوامل أساسية وركائز أمان للعناية بالفئة الأكثر ضعفاً وتأثراً في المجتمع، تقوم هذه المراكز بمهمة رئيسية تتجلى في توفير الرعاية المتخصصة والدعم اللازم لتلبية احتياجات هذه النساء بشكل فعّال ومحدد، يكمن الجانب الأساسي في هذه المساهمة في توسيع مدى الوعي بقضايا المرأة والتأكيد على أهمية حقوقها ومكانتها في المجتمع، بالإضافة إلى ذلك، تُقدم هذه المراكز الدعم النفسي والاجتماعي الضروري للنساء والفتيات المستفيدات، ليس فقط لمساعدتهن على التعامل مع التحديات والضغوط النفسية، بل أيضاً للمساهمة في تحسين نوعية حياتهن بشكل شامل لبناء جسور قوية نحو تحقيق استقرار نفسي واقتصادي مستدام في حياة النساء.
مجالات العمل: من الدعم النفسي الاجتماعي إلى التمكين الاقتصادي
تعمل مراكز حماية المرأة في إحسان للإغاثة والتنمية، أحد برامج المنتدى السوري،على تقديم خدمات شاملة ومتعددة المجالات في شمال غرب سوريا. تهدف هذه المراكز إلى تلبية احتياجات النساء وتمكينهن في مختلف الجوانب، تشمل مجالات عمل هذه المراكز:
التوعية والتثقيف: تعتبر هذه المراكز مصادر مهمة للتوعية بقضايا حقوق المرأة، والعنف الجنسي والعاطفي والجسدي والتمييز القائم على النوع الاجتماعي، حيث يتم تعزيز الوعي وتمكين النساء بالمعلومات التي تساعدهن على تحقيق تغيير إيجابي في حياتهن من خلال ورش العمل والدورات التثقيفية.
الحماية القانونية: تقدم المراكز الدعم القانوني للنساء اللواتي تعرضن للعنف أو الاستغلال، وذلك من خلال مساعدتهن في معرفة حقوقهن القانونية وتقديم المشورة حول الخطوات القانونية المتاحة لهن.
الدعم النفسي والاجتماعي: تقدم المراكز دعماً نفسياً واجتماعياً للنساء اللواتي تعرضن لصدمة نفسية خلال سنوات الحرب الماضية أو اللاتي تعرضن لأحد أشكال العنف أو التمييز، يشمل ذلك جلسات الاستماع والمشورة للمساعدة في تجاوز التأثيرات النفسية للتجارب الصعبة أو الإحالة لغرف إدارة الحالة التي تقدم خدمات متقدمة في الدعم النفسي.
التأهيل والتدريب المهني: تقدم بعض المراكز فرص التدريب والتأهيل المهني للنساء وتدعمهن للبدء في مشاريع خاصة بهدف تعزيز قدراتهن وتمكينهن اقتصادياً، ويساعد هذا التوجيه المهني على تحقيق الاستقلالية المالية لديهن.
التوجيه الأسري والاجتماعي: تقدم المراكز الدعم للنساء في مجال التوجيه الأسري والاجتماعي، مما يساعدهن على التعامل مع تحديات الحياة اليومية وتطوير علاقات صحية داخل الأسرة والمجتمع.
ملجأ آمن ومساحات صديقة للنساء والفتيات:
تقول جميلة عزو، وهي مسؤولة بناء قدرات في برنامج إحسان للإغاثة والتنمية، عن أهمية مراكز حماية المرأة: "تعتبر مراكز الحماية في شمال غرب سوريا ملجأ ومُتنفس للعديد من النساء والفتيات، تساهم في تزويدهن بمهارات تطور الجانب النفسي ويستطعن من خلالها زيادة قدرتهن على التكيف والتأقلم مع الظروف الصعبة، كما تساهم مراكز الحماية أيضاً في بناءشبكات اجتماعية وتعزيز دمج الأشخاص في المجتمعات التي اضطروا إلى النزوح إليها، ما نتج عنها بناء علاقات في المجتمع المحلي وتبادل إيجابي للثقافات".
وتضيف: "ساهمت هذه المراكز في دمج النساء بسوق العمل من خلال تزويدهن بالمهارات المهنية والتدريبات اللازمة لإدارة مشاريعهن الصغيرة بعد توفير مبالغ مالية ومواد أولية للانطلاق بالمشروع الخاص لكل سيدة، كان لهذه المبادرات الأثر الكبير من خلال تأمين مصدر دخل للعائلات يساعدهم على تجاوز ظروف الحياة الصعبة بسبب ارتفاع أسعار الصرف ونقص فرص العمل وغلاء المعيشة،كما أفضت هذه المبادرات إلى مشاريع فريدة في المنطقة مثل مشروع تصنيع خبز الذرة لمرضى سوء الامتصاص، الذي لاقى رواجاً كبيراً وإقبالاً من مناطق بعيدة نظراً لندرته في الأسواق".
الاستراتيجيات المقبلة: إلى أين؟
تقول مجد صوان، منسقة قطاع الحماية في إحسان للإغاثة والتنمية: "في العام 2024، ستتجه الاستراتيجيات في قطاع الحماية نحو التركيز الأساسي على المسائل القانونية، وذلك نتيجة لتداعيات الزلزال الذي ضرب شمال غرب سوريا؛ هذا الزلزال أحدث تشوهاً في الهياكل الثبوتية والقوانين المحلية، مما أثر بشكل كبير على جوانب الحماية والأمان للسوريين، حيث بدأت تظهر حالات مثل فقدان وثائق الهوية الشخصية والتعرض للظلم والعنف في قضايا الميراث، بالإضافة إلى ذلك، شهدت مراكزنا حالات استغلال جنسي لصور شخصية على الهواتف المفقودة أثناء وقوع الزلزال. ولذلك، يتجه تركيزنا حالياً على تعزيز الوعي القانوني".
تقوم فرق إحسان للإغاثة والتنمية بتنفيذ مجموعة من المشاريع القانونية الهادفة، حيث سيتم في الفترة القريبة المقبلة تشكيل فرق من المحامين، يعملون لتوجيه الجهود نحو حل الإجراءات القانونية وتوعية المجتمع بقضايا القانون، ومسائل الملكية، والوثائق الرسمية، وإجراءات الزواج والطلاق، وتسجيل الأطفال، كما سنقدم الدعم المالي لأولئك الذين يحتاجون إلى تمثيل قانوني أو استعادة وثائقهم الثبوتية ومتابعة قضاياهم.
وفي سياق المبادرات الأخيرة، تم تأسيس مركزاً مجتمعياً في منطقة حربنوش يستهدف الأسر بأكملها - بما في ذلك النساء والرجال والأطفال - ويركّز هذا المركز على:
- الحماية العامة: يشمل هذا الجانب التوعية القانونية وتقديم استشارات قانونية شاملة للمجتمع.
- حماية النساء: يركز هذا الجانب على تعزيز حقوق النساء وحمايتهن من العنف والاستغلال بكافة أشكالها.
- حماية الطفل: يتضمن هذا الجانب أنشطة تهدف لحماية الأطفال وضمان بيئة آمنة وصحية تضمن تطورهم المعرفي والصحي والمهاراتي.
نحو مستقبل داعم للنساء
باعتبارها نقطة تلاقٍ حيوية بين التوعية والحماية وتقديم الدعم، أصبحت مراكز حماية النساء في شمال غرب سوريا مواقع آمنة ومحطات للتمكين، فمن خلال التركيز على مجموعة من المجالات العملية، تلبي هذه المراكز احتياجات النساء المختلفة وتسعى جاهدة لتحسين وضعهن وتحقيق تحول إيجابي في حياتهن ومجتمعاتهن، وتسهم في بناء جسور قوية نحو تحقيق استقرار نفسي واقتصادي مستدام.
مع اقتراب عام 2024، ستتوجه الاستراتيجيات المستقبلية نحو القضايا القانونية وحماية حقوق النساء في هذه المراكز. يعكس هذا التوجه تطور الظروف والاحتياجات، ويسعى إلى تعزيز الوعي القانوني وتقديم الدعم اللازم للمجتمع لتحقيق تحول إيجابي نحو مستقبل أكثر عدالة وأمان.