في القرن الواحد والعشرين وفي أواخر 2023 مازلنا نتحدث عن البديهيات، عن تعنيف النساء في مجتمعاتنا العربية وحول العالم، مازلنا نرفع أصواتنا عالياً كي لا تُهان إمرأة أو يتم استغلالها أو تعنيفها لفظياً وجسدياً ومجتمعياً وفي سوق العمل، مازلنا نحاول إقناع البعض أن المرأة حياة وممارسة العنف ضدها بكافة أشكاله مرفوض أخلاقياً وإنسانياً، حتى اليوم نسمع قصصاً منهن تعود بنا إلى الجاهلية، ليس بالتكنولوجيا والواقع المتقدم بل بالفكر ونمط التعامل.
المرأة السورية في مواجهة العنف: 12 عاماً من الظلم والألم
يصادف يوم 25 نوفمبر من كل عام اليوم الدولي للقضاء على العنف ضد المرأة، وهو يوم عالمي يُحتفل به لرفع الوعي بحجم المشكلة ومخاطرها، وتعزيز الجهود الرامية إلى القضاء عليها.
تشير التقارير الدولية إلى أن العنف ضد المرأة هو أحد أخطر الانتهاكات لحقوق الإنسان، حيث يُؤثر على ملايين النساء والفتيات في جميع أنحاء العالم. وتعد سوريا من الدول التي تعاني من مستويات عالية من العنف ضد المرأة، وذلك بسبب تبعات الحرب القائمة والحالة الاقتصادية والاجتماعية المتردية منذ سنوات.
الوضع الاقتصادي والمعيشي للمرأة السورية
أدى النزاع المستمر في سوريا إلى تدمير الاقتصاد الوطني، وتراجع مستوى المعيشة بشكل كبير خاصةً في ظل النزوح وعدم الاستقرار؛ ونتيجة لذلك، تفاقمت معاناة النساء السوريات، حيث أصبحن أكثر عرضة للعنف والاستغلال، وبالتالي أكثر عرضة للعيش في الفقر، وصعوبة الحصول على التعليم والرعاية الصحية، ويكون لديهن مخاطر متزايدة للإصابة بالأمراض المزمنة، بالإضافة إلى ذلك، تواجه النساء السوريات صعوبات في الحصول على الحماية من العنف، وذلك بسبب غياب المؤسسات الحكومية وعدم قدرة المنظمات الدولية والمحلية على توفير الحماية الكاملة لجميع النساء، والافتقار إلى الأمن والاستقرار.
سجل تقرير صادر عن الشبكة السورية لحقوق الإنسان حوادث العنف ضد المرأة القائمة على النوع الاجتماعي والعنف الأسري مؤكداً أنها من أشكال الانتهاكات التي لم تتوقف طوال مدة النزاع المسلّح، وقد اتسعت ممارستها بحق النساء النازحات والمتأثرات بالنزاع والأزمات الإنسانية ووصلت في بعض الأحيان حدَّ قتلها، وذلك على خلفية جنسانية مرتبطة بشكل أساسي بما يطلق عليه مجتمعياً اسم “جرائم الشرف”، واعتبر التقرير أن هذه الاعتداءات والجرائم انعكاس واضح لمدى هشاشة البنية القانونية والقضائية الناظمة لحقوق المرأة.
أكد التقرير على أن العشرات من حقوق المرأة الأساسية يتم انتهاكها، وفي مقدمتها، الحق في الحياة، عدم التعرض للتعذيب والاعتقال التعسفي والإخفاء القسري، وحق التنقل، واللباس، وحرية الرأي والتعبير، والعمل، وغيرها من الحقوق. وإن تعزيز دور المرأة، وحمايتها من العنف والانتهاكات، بما في ذلك حقها في العمل السياسي والإعلامي وحرية الرأي، سوف ينعكس بشكل إيجابي على المجتمع كله، كما أن كل ذلك من الأمور الأساسية في السعي نحو المساواة والتنمية.
تقول جميلة عزّو، مسؤول ميداني عن العنف القائم على النوع الاجتماعي في المنتدى السوري، "تتعرض النساء للاعتداء الجسدي كوسيلة لتفريغ الضغوطات التي تواجه العوائل في ظل انهيار الوضع الاقتصادي، كما تنتشر ظاهرة الزواج المبكر كوسيلة لتخفيف الأعباء الاقتصادية، هذه الممارسات أثرت بشكل كبير على استقرار العائلات لاسيما في ظل تواجدهم في أماكن غير آمنة".
وتضيف: " نعمل في مراكزنا على دعم النساء لتكون في مواقع قيادية تساعدها على اتخاذ القرارات وزيادة ثقتها بنفسها لتستطيع مواجهة المصاعب، لاسيما بعد ماعاشته النساء واليافعات في الشمال السوري من حوادث عدة قائمة على النوع الاجتماعي بعد كارثة الزلزال والقصف المستمر الذي تشهده المناطق، جعلتهم في أماكن أكثر خطورة ومواقع أكثر عرضة للعنف".
المرأة السورية في مواجهة الحرب
لم تكن النساء السوريات مجرد ضحايا للحرب، بل شاركن أيضاً في النضال من أجل الحرية، ومع ذلك، فقد تعرضن لأشكال مختلفة من العنف، بما في ذلك العنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي، خاصةً في ظروف الاعتقال والاختفاء القسري والنزوح المتكرر.
تتحدث نور حموي، عاملة حماية ميدانية في المنتدى السوري، عن وضع النساء فتقول: "ساهمت الظروف المحيطة بالمرأة في شمال غرب سوريا من قصف ونزوح وتهجير ومن ثم وباء كورونا والزلزال الأخير إلى تفاقم العنف القائم على النوع الاجتماعي، ويُعتبر العنف الأسري وعنف الشريك الأكثر انتشاراً في السنوات الأخيرة، ويعود ذلك لقلة فرص العمل لدى الرجال والفقر وإدمان المخدرات بالإضافة إلى إدمان الانترنت، إذ تتعرض النساء والفتيات للضرب والإساءة والحرمان من العمل والتعليم".
تواجه المرأة السورية أيضاً تحديات اجتماعية كبيرة في ظل الحرب، ففي حال فقدان زوجها أو أحد أفراد أسرتها، فإنها تضطر غالباً إلى العمل في ظروف صعبة لتأمين احتياجات أسرتها، ما يعرضها للمزيد من العنف والاستغلال في بيئة العمل، كما أن النساء اللواتي فرّت من منازلهن يواجهن صعوبات في الحصول على السكن والمأكل والملبس ما يشكل تحدياً إضافياً للاستمرار والعيش بسلام.
تواجه المرأة السورية تحديات سياسية أيضاً؛ فبالرغم من مشاركتها في الثورة السورية منذ بدايتها، إلّا أنها لا تزال تعاني من التمييز في المجال السياسي، وتواجه تحديات مختلفة في حال دخولها في أي عمل سياسي داخل سوريا أو خارجها.
تعيش المرأة السورية في ظل الحرب في ظروف قاسية، سواء كانت في الداخل السوري أو في الخارج، ففي الداخل السوري، تتعرض للخطر المستمر من العنف والقصف، أما في الخارج، فإنها تواجه تحديات العيش في بيئة جديدة ومحاولة التأقلم مع ظروف اللجوء.
ختاماً، نؤكد على أن القضاء على العنف ضد المرأة يعد أمراً أساسياً لحماية حقوق الإنسان وتعزيز المساواة بين الجنسين، كما أن له أهمية كبيرة للتنمية المستدامة، حيث يحرم العنف النساء من الفرص التعليمية والاقتصادية والسياسية، مما يحد من إمكانات المجتمع ككل.