في ظل الصراع المستمر وانعدام الأمن في سوريا، تُلقي ظاهرة عمالة الأطفال بظلالها القاتمة على المجتمع السوري، مُشكّلة تحدياً هائلاً يهدد مستقبل جيل بأكمله.

وفقاً لتقارير صادرة عن منظمة العمل الدولية (ILO)، يوجد في سوريا أكثر من 250 ألف طفل يعملون، تتراوح أعمارهم بين 6 و17 عامًا، في ظروف صعبة ومؤذية. وتتركز عمالة الأطفال بشكل كبير في مناطق النزوح والفقر، حيث يُجبر الأطفال على العمل لإعالة عوائلهم وتأمين قوت يومهم.

يروي العديد من الأطفال السوريين قصصاً مأساوية عن تجاربهم في ساحات العمل؛ بعضهم يعملون في المصانع ضمن ظروف قاسية، بينما يجد آخرون أنفسهم يبيعون السلع في الشوارع أو يعملون في المزارع. حيث يتعرض هؤلاء الأطفال للاستغلال والإهمال دون حماية أو دعم.تعود أسباب عمالة الأطفال إلى عدة عوامل، منها الفقر المدقع الذي يُجبر العديد من الأسر إلى دفع أطفالها للعمل لتأمين قوت يومهم. كما أن نقص فرص التعليم وحرمان العديد من الأطفال من الدراسة يدفعهم إلى العمل بدلاً من التوجه إلى المدرسة. تلعب التقاليد والممارسات المجتمعية دوراً أيضاً، حيث يُنظر في بعض المجتمعات إلى عمل الأطفال كأمر طبيعي ومقبول. إضافة إلى ذلك، فاقمت الحرب من ظاهرة عمالة الأطفال بشكل كبير، حيث فقد العديد من الأطفال معيليهم أو اضطروا للنزوح من منازلهم، مما أجبرهم للقيام بدور المُعيل لأُسرهم. وتتعدد آثار عمالة الأطفال بين الاستغلال الجسدي والنفسي المستمر الذي يتعرض له الأطفال العاملون، والعمل في ظروف خطرة قد تُعرضهم للإصابات أو الوفاة. يُجبرهم العمل على ترك المدرسة، مما يُعيق تحصيلهم العلمي ويؤدي إلى حرمانهم من التعليم. كذلك، يُحرم الأطفال العاملون من الطفولة الطبيعية بما في ذلك اللعب والمرح، ويضطرون لتحمّل مسؤوليات تفوق قدراتهم. كما يعاني الأطفال العاملون من مشاكل نفسية واجتماعية مثل مشاعر القلق والاكتئاب والتوتر، وقد يُصبحون أكثر عرضة للسلوكيات العدوانية أو الانحرافية.

20002000

في حين يبذل المنتدى السوري جهوداً حثيثةً لمكافحة عمالة الأطفال ولمحاربة هذه الظاهرة المُدمرة، إيماناً منه بأهمية حماية حقوق الأطفال وضمان مستقبلهم، وذلك من خلال توعية الأسر والمجتمع بخطورة هذه الظاهرة وتقديم الدعم للأطفال المتأثرين بها من خلال برامج تعليمية وتوعوية. كما يولي المنتدى السوري قطاع التعليم أهمية كبيرة من خلال المشاريع التي يعمل على تنفيذها بالشراكة مع المؤسسات الدولية، كتأهيل المدارس ودعمها بالمصاريف التشغيلية، ودعم الطلاب بالحقائب المدرسية ومواد القرطاسية، وتزويد المعلمين بالحقائب التعليمية والحوافز الشهرية لاستمرار العملية التدريسية وضمان استدامتها، بالإضافة إلى بناء المدارس النموذجية وتوفير بيئة تعليمية آمنة ومستقرة.حيث عمل المنتدى السوري، منذ التاسيس وحتى نهاية 2023، على إعادة تأهيل 291 مدرسة، وبناء 4 مدارس، وتقديم الحوافز الشهرية لأكثر من 6,500 مدرّس، وتوفير الدعم الكامل لـ 297 مدرسة متضمناً تأهيل المرافق الصحية، وتزويد المدارس بالأثاث المدرسي والاحتياجات الشتوية الضرورية كالمدافئ ووقود التدفئة، بالإضافة إلى الكتب المدرسية والمصاريف التشغيلية وبناء قدرات الكادر التعليمي.كما يركز المنتدى على برنامج التمكين الاقتصادي لدعم الأهالي من خلال تقديم مِنح للمشاريع الصغيرة وفرص العمل لتأمين دخل مستدام بما يضمن عودة الأطفال إلى المدارس وعدم حاجتهم للعمل لإعالة ذويهم.أطفالنا الذينَ تحمّلوا على أكتافهم همومَ عائلاتٍ بأكملها، واجهوا الفقرَ والمجاعةَ بأدواتٍ لا تُناسبُ أعمارهم، لكن في عيونهم تُشرقُ شمسٌ جديدة تُنيرُ دروبَ المستقبل، تحملُ بذرةَ الأملِ في أن يُصبحوا أطباءَ ومهندسينَ ومعلمينَ يبنونَ سوريا جديدة.