من هنا تبدأ القصة في الأشهر الأولى من عام 2011، شهدت سوريا اندلاع احتجاجات شعبية واسعة ضد النظام الذي يحكم البلاد هذه الاحتجاجات كانت جزءًا من الحراك الشعبي الذي اجتاح عددًا من الدول العربية خلال ما عُرف بـ"الربيع العربي". المحتجون في سوريا طالبوا بإصلاحات سياسية واقتصادية و قوانين تمنحهم الحرية و تحترم إنسانيتهم
- صرخات الألم:
منذ البداية، كان رد النظام السوري على الاحتجاجات عنيفًا، حيث استخدمت قوات الأمن والجيش القوة المفرطة لقمع المتظاهرين. وهذا أدى إلى تحول الاحتجاجات السلمية إلى ثورة مسلحة و لتدور حرب فتاكة بين قوات النظام والمعارضة المسلحة التي بدأت تتشكل ، و مع إستمرار المواجهات العنيفة والقتال الدامي بين الطرفين الذي أدى إلى مقتل مئات الآلاف من السوريين ونزوح ملايين آخرين إلى خارج البلاد.
- بذور الامل:
وفي وسط الجحيم الذي اجتاح سوريا، وبين دوي القصف والانفجارات التي مزقت أرض الشام، ظهرت تلك الأيادي البيضاء التي تمتد لتحمل الجرحى وتضمد جراح المتضررين. هؤلاء هم جنود الإغاثة الذين خرجوا من بين الركام لينقذوا ما تبقى من حياة في بلاد الشام المنكوبة. وفي ظل الدمار الشامل الذي حل بالبنية التحتية والمؤسسات الصحية والتعليمية، كان العمل الإنساني هو الحبل الأخير الذي تعلق به الناس للبقاء على قيد الحياة.
فقد شكل هؤلاء الأشخاص شموعاً التي تضيئ ظلام الحرب لتحمل الطعام والدواء والماء إلى المناطق المحاصرة، وتمنح الأمل للعالقين تحت الأنقاض.
لم يكن عملهم سهلاً أو آمناً، فقد واجهوا المخاطر والتحديات بكل شجاعة ومثابرة. ولكن إيمانهم بقيمة الحياة البشرية وبمبادئ الإنسانية هو ما دفعهم للمضي قدماً، حتى في أظلم الظروف وأشدها وحشية. وبذلك أصبحوا رمزاً للتضحية والفداء، ونموذجاً لما ينبغي أن يكون عليه الإنسان في زمن الحرب والكوارث.
لكن ماذا قدمت المنظمات الإنسانية في سورية ؟
قدمت المنظمات الإنسانية مساعدات متعددة منها إغاثية و حيوية ومن أبرز ما قدمه العمل الإنساني في سورية:
المساعدات الإغاثية الطارئة: قدمت هذه المنظمات الطعام والماء والسكن والملابس للملايين من السوريين النازحين داخلياً والذين فروا من مناطق القتال. كما وفرت الرعاية الصحية الأساسية والإسعافات الأولية.
خدمات القطاع الطبي: منذ الأشهر الأولى لبداية الكارثة السورية انطلقت عشرات المبادرات والفرق الإنسانية؛ استجابةً لأصوات المعاناة وصرخات المُصابين والمرضى لتخفف عنهم أوجاعهم وآلامهم لتقدم لهم خدمات متعددة و أهمها
تأمين الرعاية الطبية الطارئة
إقامة برامج التوعية الصحية
برامج صحة الأم و الطفل
خدمات الصحة العقلية و الدعم النفسي
علاج الأمراض المزمنة
الاستجابة الطارئة لتفشي الامراض
خدمات التأهيل و العلاج الطبيعي
إعادة التأهيل والإعمار: عملت المنظمات على إعادة بناء البنية التحتية المدمرة كالمستشفيات والمدارس والمرافق العامة. كما ساهمت في إعادة تأهيل المرافق الحيوية وتوفير الخدمات الأساسية للسكان.
الدعم النفسي والاجتماعي: قدمت برامج للدعم النفسي والاجتماعي للناجين من الصراع، خاصة الأطفال والنساء. وساعدت على إعادة إدماج النازحين والمهجرين في مجتمعاتهم.
الحماية والمناصرة: عملت المنظمات على توثيق انتهاكات حقوق الإنسان والجرائم الحربية، ورفع الصوت دولياً للمطالبة بالمساءلة والوصول الإنساني. كما وفرت الحماية للمدنيين المعرضين للخطر.
التنسيق والتعاون: لعبت المنظمات الإنسانية دوراً مهماً في تنسيق الجهود الإغاثية وتوزيع المساعدات بشكل فعال وعادل على مختلف المناطق السورية.
- حقائق وأرقام
ومع إنخفاض الدعم المقدم لسورية، في العام الحالي أطلق فريق "منسقو استجابة سوريا" نداء مناشدة عاجلا لتغطية القطاعات الإنسانية في شمال غرب البلاد للعام الحالي وقدّر الفريق حاجة القطاعات من الدعم كالآتي:
قطاع التعليم: 24 مليون دولار.
قطاع الأمن الغذائي وسُبل العيش: 32 مليون دولار.
قطاع الصحة والتغذية: 13 مليون دولار.
قطاع المأوى: 32 مليون دولار.
قطاع المياه والإصحاح: 18 مليون دولار.
قطاع الحماية: مليون دولار.
قطاع المواد غير الغذائية: 9 ملايين دولار.
وبين الفريق بأن معدلات البطالة زادت بين المدنيين بنسب مرتفعة للغاية. لترتفع مؤشرات البطالة وصلت فيه 88.65 في المائة بشكل وسطي مما يزيد الاحتياج إلى مشاريع التمكين الإقتصادي.
في ختام هذا المقال، نجد أن يوم العمل الإنساني ليس مجرد مناسبة نحتفل بها، بل هو تذكير بواجبنا الإنساني المستمر تجاه بعضنا البعض.
ولأن العمل الإنساني يمثل النبض الحي للضمير العالمي، و الجسر الذي يصل بين الإنسان وأخيه الإنسان، بغض النظر عن الحدود أو الظروف في عالمنا اليوم،
وفي سوريا خاصة، حيث تتداخل معاني الألم والأمل، ليصبح العمل الإنساني ضوءًا في نهاية نفق طويل من المعاناة.
إنه رسالة تضامن وقوة، تؤكد أننا، رغم كل شيء، قادرون على تحويل الوجع إلى فعل، واليأس إلى أمل.
ولعل هذا اليوم يدعونا جميعًا إلى أن نكون جزءًا من هذه الرسالة النبيلة، وأن نؤمن بأن كل جهد صغير، هو خطوة كبيرة نحو عالم أكثر إنسانية ورحمة.
أحمد بكا - موظف حماية في المنتدى السوري