يُحتفل باليوم العالمي للعمل الإنساني سنويًا في 19 أغسطس، وهو يوم خُصص لتكريم العاملين في المجال الإنساني وإحياء ذكرى من ضحوا بأرواحهم في سبيل خدمة الإنسانية. يشكل هذا اليوم نداءً للتكاتف العالمي والتراحم والعمل على تخفيف معاناة الملايين الذين تأثروا بالأزمات حول العالم. وفي ظل الثورة السورية، يكتسب هذا اليوم بعدًا خاصًا، حيث يسلط الضوء على التحديات الهائلة والشجاعة الفائقة التي يظهرها من يعملون على تقديم العون في واحدة من أعقد الأزمات الإنسانية في عصرنا الحديث.
مغزى اليوم العالمي للعمل الإنساني
أُنشئ اليوم العالمي للعمل الإنساني بناءً على قرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 2008، استجابةً لتفجير استهدف مقر الأمم المتحدة في بغداد عام 2003، يهدف هذا اليوم إلى تكريم تضحيات العاملين في المجال الإنساني وزيادة الوعي العالمي بالحاجة المستمرة إلى الدعم الإنساني..
كل عام، يركز اليوم العالمي للعمل الإنساني على موضوع معين يعكس الأولويات والتحديات التي يواجهها القطاع الإنساني. تتنوع هذه الموضوعات لتتوافق مع القضايا العالمية الأكثر إلحاحًا، مثل تغير المناخ، وجائحة كوفيد-19، وحماية المدنيين في مناطق النزاع. من خلال تسليط الضوء على هذه الموضوعات، لا يقتصر هذا اليوم على تكريم العاملين في المجال الإنساني فقط، بل يساهم أيضًا في تحفيز الجهود العالمية لمعالجة هذه القضايا المحورية.
الثورة السورية والأزمة الإنسانية
انطلقت الثورة السورية في عام 2011 كجزء من حركة الربيع العربي الأوسع، لكنها سرعان ما تحولت إلى صراع دموي أدى إلى كارثة إنسانية هائلة. وقد تسبب هذا الصراع في نزوح أكثر من نصف سكان سوريا قبل الحرب، مع سقوط مئات الآلاف من الضحايا.
واجه العاملون في المجال الإنساني في سوريا ظروفًا غير مسبوقة، حيث جعلت الحرب الدائمة من الصعب توصيل المساعدات إلى المحتاجين، مع تحول العديد من المناطق إلى مواقع شبه مغلقة بسبب العنف المستمر. ورغم هذه التحديات، استمرت المنظمات الإنسانية في تقديم المساعدات في ظروف قاسية، مما ساعد ملايين السوريين على الحصول على الغذاء والرعاية الطبية والمأوى والخدمات الأساسية.
من أبرز الأمثلة على الجهود الإنسانية في سوريا عمل منظمة الخوذ البيضاء، المعروفة أيضًا بالدفاع المدني السوري. هذه المنظمة التطوعية تعمل في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة، وتقدم خدمات الإغاثة الطارئة مثل إنقاذ المدنيين من تحت أنقاض المباني وتوفير الرعاية الطبية العاجلة. وقد أنقذت الخوذ البيضاء عشرات الآلاف من الأرواح، رغم المخاطر الكبيرة التي تواجهها. نالت هذه الجهود اعترافًا دوليًا واسعًا، بما في ذلك ترشيحهم لجائزة نوبل للسلام، لكن الثمن كان باهظًا، حيث فقد العديد من متطوعيهم حياتهم أثناء أداء واجبهم.
أهمية المنظمات الإنسانية في النزاعات
أظهرت الثورة السورية الدور الحاسم الذي تلعبه المنظمات الإنسانية في مناطق النزاع. تعمل هذه المنظمات غالبًا بالتعاون مع مجموعات محلية لتقديم الدعم الحيوي والدفاع عن حقوق المدنيين. وكانت الأمم المتحدة، من خلال وكالاتها المختلفة، لاعبًا رئيسيًا في تنسيق وتقديم المساعدات الإنسانية في سوريا. وكالات مثل المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR)، ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف)، وبرنامج الغذاء العالمي كانت في طليعة تلبية احتياجات اللاجئين السوريين والنازحين داخليًا.
إلى جانب المنظمات الدولية الكبيرة، كان للمنظمات غير الحكومية دور محوري أيضًا في تقديم خدمات ضمن قطاعات عدة مثل الصحي، المأوى، الغذائي وأيضاً النفسي الاجتماعي.
التحديات التي تعترض العاملين في المجال الإنساني
العاملون في المجال الإنساني في سوريا يواجهون تحديات تفوق مخاطر العمل في بيئة حرب. من أبرز هذه التحديات مسألة الوصول إلى المحتاجين. لقد تميز الصراع في سوريا باستهداف متعمد للقوافل الإنسانية والبنية التحتية، مما يعوق بشدة جهود إيصال المساعدات. بالإضافة إلى ذلك، تم تسيس المساعدات الإنسانية في الصراع السوري، حيث استُخدمت كأداة ضغط من قبل أطراف النزاع، مما زاد من تعقيد هذه الجهود.
علاوة على ذلك، يتعرض العاملون في المجال الإنساني لضغوط نفسية هائلة نتيجة الصدمات التي يتعرضون لها بسبب مشاهد الدمار والمعاناة الناجمة عن الحرب وعملهم على أرض الواقع واحتكاكهم المباشر مع الأشخاص. يعمل هؤلاء الأفراد غالبًا في ظروف تهدد حياتهم، حيث يتعرضون باستمرار لخطر الإصابة أو الموت، ويمكن أن يكون التأثير النفسي لهذا العمل كبيرًا. ورغم هذه التحديات، يظل العاملون في المجال الإنساني متمسكين برسالتهم، مدفوعين بإحساس عميق بالمسؤولية والرحمة تجاه الذين يخدمونهم.
ضرورة التضامن الدولي
يشكل اليوم العالمي للعمل الإنساني فرصة لتذكير العالم بأهمية التضامن الدولي في مواجهة الأزمات الإنسانية. الوضع في سوريا يبرز الحاجة الملحة لدعم المجتمع الدولي للجهود الإنسانية، ليس فقط من خلال تقديم التمويل، ولكن أيضًا من خلال العمل على حماية المدنيين والعاملين في المجال الإنساني. يجب أن تتضافر جهود الحكومات والمنظمات والأفراد لضمان وصول المساعدات إلى أولئك الذين هم في أمس الحاجة إليها.
في الختام، يعد اليوم العالمي للعمل الإنساني فرصة لتكريم شجاعة وتفاني العاملين في المجال الإنساني في كل أنحاء العالم. لقد أظهرت الثورة السورية والأزمة الإنسانية التي أعقبتها التحديات الجسيمة التي يواجهها هؤلاء الأفراد في سعيهم لتخفيف معاناة البشر في مناطق النزاع. ومع احتفالنا بهذا اليوم، يجب أن نتذكر أن العمل الإنساني لا يقتصر على تقديم المساعدة فقط؛ بل يتمثل أيضًا في الوقوف بجانب المحتاجين والدفاع عن حقوقهم في عالم أكثر عدلاً وإنسانية. دعمنا لهذه الجهود يساهم في ضمان الحفاظ على مبادئ الإنسانية والحياد والنزاهة، حتى في أحلك الظروف.
بقلم: سوسن شهاب الديبو - عاملة حماية في المنتدى السوري