يُعتبر اليوم الدولي للعمل الإنساني، الذي يصادف 19 أغسطس من كل عام، مناسبة هامة لتسليط الضوء على الجهود الجبارة التي يبذلها العاملون في المجال الإنساني حول العالم، وعلى التضحيات التي يقدمونها لتخفيف معاناة المتضررين من الأزمات والكوارث. هذا اليوم ليس فقط فرصة لتكريم هؤلاء الأبطال، بل هو دعوة للتفكير العميق في كيفية تعزيز العمل الإنساني وتوسيع نطاق تأثيره، خصوصًا في ظل الأوضاع الإنسانية الصعبة التي تعيشها سوريا.

منذ بداية النزاع في سوريا، أصبحت البلاد مسرحًا لأحد أكبر الأزمات الإنسانية في العصر الحديث. ملايين الأشخاص فقدوا منازلهم، وتحطمت حياتهم بسبب الدمار والتهجير. في مواجهة هذه التحديات الهائلة، لعبت المنظمات الإنسانية دورًا حيويًا في تقديم الدعم الضروري للسكان المتضررين. ورغم ضخامة المهمة، فإن هذه المنظمات نجحت في توفير الاحتياجات الأساسية من الغذاء والماء، فضلًا عن التعليم والرعاية الصحية.

لكن العمل الإنساني في سوريا لا يقتصر على الإغاثة العاجلة فقط. إنه يمتد إلى دعم طويل الأمد وبناء القدرات التي تساهم في تمكين المجتمع من الوقوف على قدميه مرة أخرى. قصص النجاح العديدة التي نشأت من رحم المعاناة تبرز الأثر الإيجابي للعمل الإنساني. فبرامج التعليم، على سبيل المثال، التي تديرها بعض المنظمات، أعادت آلاف الأطفال السوريين إلى مقاعد الدراسة رغم الظروف القاسية. وكذلك مبادرات دعم سبل العيش، التي وفرت للعديد من الأفراد مهارات وفرص عمل جديدة، ما أسهم في تعزيز قدرتهم على الاعتماد على الذات وتخفيف معاناتهم الاقتصادية.

أحد المبادرات الإنسانية البارزة في هذا السياق هو مراكز حماية وتمكين المرأة. هذه المراكز تقدم دعمًا حيويًا للنساء اللواتي تأثرن بالنزاع، حيث توفر لهن خدمات حماية، استشارات نفسية، ودعم قانوني. إلى جانب ذلك، تقدم هذه المراكز برامج تدريبية تساعد النساء على اكتساب المهارات اللازمة للدخول إلى سوق العمل، ما يعزز استقلاليتهن الاقتصادية ويقوي أدوارهن في المجتمع. النجاحات التي تحققت من خلال هذه المراكز لا تقتصر فقط على تحسين حياة النساء، بل تسهم أيضًا في بناء مجتمع أكثر تماسكًا واستقرارًا.

في ظل الأزمات الطويلة الأمد التي تعصف بسوريا، يصبح التمكين الاقتصادي جزءًا أساسيًا من أي استراتيجية إنسانية تهدف إلى إعادة بناء المجتمع. المجتمع السوري في أمس الحاجة إلى تعزيز سبل العيش من خلال برامج تهدف إلى تطوير المهارات المهنية ودعم المشاريع الصغيرة. هذه الجهود لا تساهم فقط في تحسين الوضع الاقتصادي للأفراد، بل تساعد أيضًا في إعادة بناء الاقتصاد المحلي الذي تضرر بشدة نتيجة النزاع.

من خلال تقديم الدعم في مجالات مثل التدريب المهني، الإرشاد الوظيفي، والتمويل الصغير، يمكن للمنظمات الإنسانية أن تحدث تغييرًا ملموسًا في حياة الأسر السورية. هذه المبادرات تدعم الاستقرار الاقتصادي وتعزز من قدرة الأفراد على المشاركة بفعالية في إعادة بناء مجتمعاتهم، ما يسهم في تحقيق تعافٍ مستدام على المدى الطويل.

اليوم الدولي للعمل الإنساني هو تذكير بضرورة استمرار الجهود الإنسانية، وبأن التمكين الاقتصادي يجب أن يكون جزءًا لا يتجزأ من هذه الجهود. على الرغم من التحديات الهائلة، فإن العمل الإنساني في سوريا يظل ركيزة أساسية لدعم الأسر المتضررة ومساعدتها على التغلب على آثار النزاع. من خلال تعزيز التعاون بين المنظمات الإنسانية، والابتكار في تقديم الحلول، يمكننا أن نحقق تحسينات ملموسة في حياة الناس، ونبني مستقبلًا أكثر إشراقًا وأملاً للشعب السوري.

بقلم: فرح الإبراهيم - مشرفة تقنية في مركز حماية المرأة في المنتدى السوري.